الأطباء في كاريتاس… شهود للرحمة ورسالة شفا
في لقاءٍ جامع جمع أكثر من سبعين طبيبًا من مختلف المراكز والعيادات النقالة التابعة لرابطة كاريتاس لبنان، التأم الجسد الطبّي للعائلة الكاريتاسيّة حول رسالةٍ واحدة: أن يكون الطبّ في خدمة الإنسان، جسدًا وروحًا، وفي قلب رسالة الكنيسة الرحوميّة.

افتُتح اللقاء بصلاةٍ وكلمةٍ للأب ميشال عبّود، رئيس رابطة كاريتاس لبنان، شدّد فيها على أهميّة هذا اللقاء مع الأطباء الذين يشكّلون «قلب رسالة كاريتاس ووجه الكنيسة الرحوم». قدّم الأب عبّود رؤيةً متكاملة للطبّ كرسالةٍ إنسانيّة وروحيّة، تتجاوز حدود المهنة لتصبح مشاركةً في رسالة المسيح الشافي، الذي «يجول يصنع خيرًا ويشفي كلّ مرض وسقم».
وقال إنّ «الطبّ في كاريتاس ليس تجارةً ولا وظيفة، بل دعوة مقدّسة لخدمة الإنسان في جسده وروحه، حيث يكون الطبيب شاهدًا على حضور الله في الألم، ورسولًا للرحمة وسط عالمٍ تغلب عليه المصالح الماديّة».
واستعاد الأب عبّود مسيرة كاريتاس خلال السنوات من 2020 إلى 2025، حيث عاش لبنان أزماتٍ متلاحقة: انهيار اقتصادي، جائحة عالميّة، انفجار بيروت، وهجرة الكفاءات. وأمام كلّ هذا، ظلّ أطباء كاريتاس ثابتين في رسالتهم، يعملون في الظلام والبرد والعوز، حاملين رجاءً حيًّا وإيمانًا لا ينهزم. وأضاف: «أنتم تكتبون بعملكم اليوميّ إنجيل الرحمة في حياة الناس، إذ لا تقدّمون دواءً فحسب، بل تزرعون الطمأنينة في القلوب وتعيدون للإنسان ثقته بأنّه محبوب رغم ألمه».
كما أكّد أنّ كاريتاس تضع الإنسان في صميم عملها الصحّي، فلا تنظر إليه كرقمٍ في تقريرٍ أو ملفٍّ طبّي، بل كوجهٍ يحمل قصّة وكرامة. ودعا إلى تطوير العمل الطبّي بروح الفريق بين الطبيب والممرّض والعامل الاجتماعي والإداري، لأنّ المريض «لا يحتاج فقط إلى وصفةٍ طبيّة، بل إلى من يصغي إليه كإنسان». وختم بالقول: «الطبّ في كاريتاس يجب أن يبقى طبّ الرحمة، الذي يضمّد ولا يُدين، ويرافق الإنسان من وجعه إلى فجر شفائه».

تلت كلمة الأب عبّود مداخلة للدكتور حبيب عطالله، المشرف الطبّي في كاريتاس، الذي عرض على الأطباء بعض التوجيهات الإداريّة المطلوبة من وزارة الصحّة، مشدّدًا على ضرورة الالتزام بالمعايير العالميّة في تقديم الخدمات الطبّية، ومثنيًا على الجهود الكبيرة التي يبذلها الأطباء في المراكز والعيادات.

كما قدّمت الآنسة ساندي حاكمة، مسؤولة القسم الصحّي في الرابطة، عرضًا شاملًا للبرامج الصحّية التي تديرها كاريتاس لبنان، مؤكّدة أنّ «الجهات المانحة بدأت تطرق بابنا قبل أن نطرق أبوابها»، وأنّ هذه البرامج تغطّي جميع المناطق اللبنانية عبر شبكة المراكز الصحيّة والعيادات المتنقّلة. وشكرت الأطباء على تفانيهم ومهنيّتهم، مشيرةً إلى أنّ «كلّ نجاح في القسم الصحّي هو ثمرة التزامهم الميداني وجهودهم اليوميّة». كما عرضت الاستراتيجيات المستقبلية وخطط التنسيق مع وزارة الصحّة العامّة ضمن شبكة الرعاية الصحيّة الأوليّة.



بعد ذلك، شارك الأطباء الحاضرون في مداخلاتٍ غنيّة عرضوا خلالها خبراتهم وملاحظاتهم حول الواقع الطبّي الصعب في لبنان، وأكّدوا إصرارهم على متابعة الرسالة رغم التحدّيات المتزايدة.

وفي ختام اللقاء، توجّه الأب عبّود بكلمة شكرٍ إلى الأطباء قائلاً إنّ «ما تقومون به سيبقى محفورًا في ضمير الكنيسة وذاكرة كلّ من لمس محبّتكم»، مستشهدًا بإنجيل القدّيس لوقا الطبيب: «وكانت قدرة الربّ معه ليشفي المرضى»، داعيًا أن ترافق هذه القدرة الإلهيّة كلّ طبيبٍ في رسالته اليوميّة ليكون علامة حيّة لرحمة الله في أرضٍ جريحة تحتاج إلى أيديهم وقلوبهم ووجوههم المضيئة بالمحبّة.
واختُتم اللقاء بلقمة محبّة جمعت الحاضرين في جوٍّ من الأخوّة والتقدير المتبادل.